ما قدر الله حق قدره من سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "وكذلك لم يقدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وأعلى ذكرهم وجعل فيهم الملك والخلافة والعز، ووضع أولياء رسوله وأهل بيته وأهانهم وأذلهم وضرب عليهم الذلة أينما ثقفوا، وهذا يتضمن غاية القدح في جناب الرب، تعالى الله عن قول الرافضة علواً كبيراً!"
لو صح التوحيد عند هذه الطوائف وقدروا الله حق قدره، ما وقعوا في هذه المصائب، يقولون: صنما قريش، يقصدون أبا بكر وعمر ! فأعدى أعداء الدين عندهم أبو بكر وعمر، ثم بنو أمية، ويرون أن بني أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن، وأنهم شجرة خبيثة ملعونة وأنهم كفار... إلى آخر ما يقولون.
إذا كان هؤلاء هم أعدى أعداء الدين، فمن هم أولياء الله؟!
أما هم فقالوا: علي وذريته والأئمة ممن يعتقدون إمامتهم، ولكن الواقع أن الله تعالى مكّن لبني أمية وأعطاهم الملك والولاية، ففتحوا البلاد، وأقاموا الجهاد، أعطاهم الله ولاية حتى على هؤلاء.
أما أهل البيت فقد ضربوا وسجنوا وأوذوا وعذبوا وقتلوا وما تولى منهم أحد، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى، وما تولى الخلافة أحد ممن يدعي الروافض أنه إمام إلا علياً رضي الله عنه؛ لأن بدعة الإثني عشرية ما جاءت إلا متأخرة بعد أحداث كربلاء، أي: بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، بعد ذلك جاءت هذه البدع، فمنذ أن جاءت هذه البدعة ما ولي إمام من أئمة الرافضة قط.
إذاً: أحسنوا ظنكم بالله يا من تدعون أنه لم يول أحداً من أوليائه الذين تقولون: إن الله اختصهم بغاية العلم والحكمة، ويعلمون الغيب، ويدبرون كل شيء، وأعطاهم مفاتيح الكون، كل هذا الاعتقاد العظيم فيهم وهم لم يتولوا الخلافة.
إذاً: ظنكم بالله ظن عجيب غريب من أين تأتون به؟!
وأعجب من ذلك أنه يمكن لأعدائهم ويوليهم وينصرهم، ويفتحون البلاد وتثني عليهم الأمة، وتؤلف فيهم الكتب، إذاً: لابد أن تصححوا ظنكم بالله تعالى.
ونأتيك بجواب مفحم لا يستطيع الروافض أن يرفعوا رءوسهم بعده، نقول: مثل هذا القول في حق أهل البيت وفي حق أعدائهم -كما تزعمون- قالته اليهود والنصارى في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة واحدة، فإن اليهود والنصارى كفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنه مفترٍ، افترى على الله الكذب وجاء برسالة، قلنا: فما الدين الحق الذي يقبله الله ولا يرضى غيره؟ قالوا: ما عليه اليهود والنصارى كما قال الله تعالى عنهم: ((وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا))[البقرة:135] فقلنا لهم: أفيسلط الله كذاباً دجالاً مفترياً فيستولي على ممالك دينكم الحق، ويقتلكم ويأسركم، ويضرب بالسيف رقابكم، ثم يستعبد من شاء منكم، ثم يظل الملك والشأن والرفعة والمجد له ولأمته أبد الآبدين؟!! هذا ظن سيئ بالله!
إما أن يكون الله لا حكمة له في أفعاله، حيث ينصر عدوه وهو يفتري عليه زاعماً أنه رسول من عنده، ويأتي بكلام مختلق فيقول: هذا كلام الله، ويدعي الرسالة من الله، وأن الوحي ينزل إليه، ويجعل الديانة الحقة اليهودية والنصرانية -كما تزعمون- ذليلة مهانة مضطهدة معذبة، ويقضى عليها في أغلب بقاعها الأساسية المهمة لها، وهي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وإما أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم على حق وأنتم على الباطل؛ فأنتم بين خيارين لا مفر لكم من أحدهما، فإما ألا يكون هناك حكمة أبداً، وتتهمون الله بالعجز عن عاجز أن ينصر أولياءه على أعدائه، وإما أنكم أنتم ظننتم به غير الحق وما قدرتموه حق قدره، ويكون هو -حقيقة- نصر وليه ونبيه ورسوله صلوات الله وسلامه عليه، ويكون دينكم باطلاً لا حقيقة له، هذا دليل يتفق مع حكمة الله ومع أفعال الله تبارك وتعالى في خلقه.
قال ابن القيم: "وهذا القول -أي قول الرافضة- مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين إنه أرسل ملكاً ظالماً، فادعى النبوة لنفسه، وكذب على الله، ومكث زمناً طويلاً يكذب عليه كل وقت، ويقول: قال الله كذا.. وأمر بكذا.. ونهى عن كذا.. وينسخ شرائع أنبيائه ورسله، ويستبيح دماء أتباعهم وأموالهم وحريمهم، ويقول: الله أباح لي ذلك..! والرب تبارك وتعالى يؤيده ويظهره ويعليه، ويعزّه ويجيب دعواته، ويمكنه ممن خالفه ويقيم الأدلة على صدقه، ولا يعاديه أحد إلا ظفر به، فيصدقه بقوله وفعله وتقريره، ويحدث أدلة تصديقه شيئاً بعد شيء" إلى يوم القيامة.
يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ليست آياته ومعجزاته آنية ثم تنتهي كما كان الرسل من قبل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة}
كلما جاء زمن تجدد فيه ما يدل على صدقه، وتظهر في كل عصر الدلائل على أنه نبي، وهكذا ما يقع من أخبار وأحداث أخبر عنها صلى الله عليه وسلم قبل وقوعها، ولا يمكن أن يتوقعها بشر، ولا أن يقولها أحد إلا بعلم من الله تبارك وتعالى.
يقول: "ومعلوم أن هذا يتضمن -أي: كلام اليهود وأتباعهم- أعظم القدح والطعن في الرب سبحانه وتعالى وعلمه وحكمته ورحمته وربوبيته، تعالى الله عن قول الجاحدين علواً كبيراً.
فوازن بين قول هؤلاء -أي: اليهود- وقول إخوانهم من الرافضة، تجد القولين كما قال الشاعر:
رضيعي لبانٍ ثدي أم تقاسما بأسحم داجٍ عوض لا نتفرقُ
وعوض معناها: أبداً، فكأن اليهود والرافضة أخوان رضعا من ثدي واحد وأقسما ألا يتفرقا أبداً، فما يقال في حق اليهود يقال في حق الروافض.